دراسات إسلامية

 

الشركة والمضاربة

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

 

 

 

        الشركة: يعرفها الفقهاء على أنها عقد بين متشاركين في رأس المال والربح، وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، والشركة قسمان: شركة أملاك، وهي أن يتملك أكثر من شخص عينًا، من غير عقد إما عن طريق الهبة والوصية أو الميراث، وشركة عقود، وهي أن يعقد اثنان فأكثر عقدًا على الاشتراك في المال وما نتج عنه من ربح، ولها أربعة أنواع، هي: شركة العنان وهي أن يشترك اثنان في مال لهما على أن يتّجرا فيه والربح بينهما، ولا يشترط فيها المساواة في المال ولا في التصرف ولا في الربح فيجوز أن يكون مال أحدهما أكثر من الآخر ويجوز أن يكون أحدهما مسؤولاً عن شريكه ويجوز أن يتساويا في الربح كما يجوز أن يختلفا حسب الاتفاق بينهما، فإذا كان ثمة خسارة فتكون بنسبة رأس المال. شركة المفاوضة أي المساواة وسميت بهذه التسمية لاعتبار المساواة في رأس المال والربح والتصرف، وقيل هي من التفويض لأن كل واحد يفوض شريكه في التصرف، ويتم التعاقد بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في عمل بالشروط الآتية: التساوي في المال، فلو كان أحد الشركاء أكثر مالاً، فإن الشركة لا تصح، التساوي في التصرف؛ فلا تصح الشركة بين الصبي والبالغ، التساوي في الدين؛ فلا تنعقد بين مسلم وكافر، أن يكون كل واحد من الشركاء كفيلاً عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع، كما أنَّه وكيل عنه، فلا يصح أن يكون تصرف أحد الشركاء أكثر من تصرف الآخر، فإذا تحققت المساواة في هذه النواحي كلها، انعقدت الشركة وصار كل شريك وكيلاً عن صاحبه وكفيلاً عنه؛ يطالب بعقده صاحبه ويسأل عن جميع تصرفاته. شركة الوجوه وهي أن يشترك اثنان فأكثر من الناس دون أن يكون لهم رأس مال اعتمادًا على جاههم وثقة التجار بهم، على أن تكون الشركة بينهم في الربح فهي شركة على الذمم من غير صنعة ولا مال. شركة الأبدان وهي أن يتفق اثنان على أن يتقبلا عملاً من الأعمال على أن تكون أجرة هذا العمل بينهما حسب الاتفاق، وكثيرًا ما يحدث هذا بين النجارين والحدادين والحمالين والخياطين وغيرهم من المحترفين، وتصح هذه الشركة سواء اتحدت حرفتها أم اختلفت كنجار مع نجار أو نجار مع حداد وسواء عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الآخر منفردين أو مجتمعين، وتسمى هذه الشركة بشركة الأعمال أو الأبدان أو الصنائع. وقد أجاز الأحناف كل نوع من أنواع هذه الشركات السابقة على شروط معينة، وأجازها المالكية ماعدا شركة الوجوه، والشافعية أبطلوها كلها ماعدا شركة العنان، والحنابلة أجازوها كلها ما عدا شركة المفاوضة. شركة الحيوان ويرى ابن القيم جواز المشاركة في الحيوان بأن تكون العين مملوكةً لشخص ويقوم الآخر على تربيتها على أن يكون الربح بينهما حسب الاتفاق.(1)

     المضاربة: وهي عقد بين طرفين، على أن يدفع أحدهما نقدًا إلى الآخر، لتّجر فيه، على أن يكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه، وهي جائزة بالإجماع، وقد ضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لخديجة - رضي الله عنها - بمالها وسافر به إلى الشام، قبل أن يبعث، وقد كان معمولاً بها في الجاهلية، ولما جاء الإسلام أقرها، فقد يكون بعض الناس مالكاً لمال، ولكنه غير قادر على استثماره، وقد يكون هناك من لا يملك المال؛ لكنه يملك القدرة على استثماره، فأجاز الشارع هذه المعاملة؛ لينتفع كل واحد منهما، فرب المال ينتفع بخبرة المضارب، والمضارب ينتفع بالمال، ويتحقق بهذا تعاون المال والعمل، وركنها الإيجاب والقبول الصادران ممن لهما أهلية التعاقد، ويشترط فيهما الشروط الآتية: أن يكون رأس المال نقدًا فإن كان تبرًا أو حليًا أو عروضاً، فإنها لا تصح، وأن يكون معلومًا كي يتميز رأس المال الذي يتجر فيه من الربح الذي يوزع بينهما حسب الاتفاق، وأن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلومًا بالنسبة كالنصف أو الثلث أوالربع، وأن تكون المضاربة مطلقةً، فلا يقيد رب المال العامل بالاتجار في بلد معين أو سلعة معينة أو يتجر في وقت معين دون وقت، أو لا يتعامل مع شخص دون غيره، ونحو ذلك من الشروط، وهذا مذهب مالك والشافعي، أما أبو حنيفة وأحمد، فلم يشترطا هذا الشرط، وقالا إن المضاربة كما تصح مطلقةً فإنها تجوز كذلك مقيدةً، وفي حالة التقيد لا يجوز للعامل أن يتجاوز الشروط التي شرطها، فإن تعداها، ضمن، وليس من شروط المضاربة بيان مدتها، فإ،ها عقد جائز يمكن فسخه في أي وقت، ومتى تم عقد المضاربة وقبض العامل المال، كانت يد العامل يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتعدي، فإذا تلف المال بدون تعدٍّ منه فلا شيء عليه، والقول قوله مع يمينه إذا ادعى ضياع المال أو هلاكه؛ لأن الأصل عدم الخيانة، وتنفسخ المضاربة بما يأتي: أن تفقد شرطاً من شروط الصحة، فإذا فقدت شرطاً من شروط الصحة وكان العامل قد قبض المال واتجر فيه، فإنه يكون له في هذه الحال أجرة مثله؛ لأن تصرفه كان بإذنٍ من رب المال، وقام بعمل يستحق عليه أجرًا، وما كان من ربح فهو للمالك وما كان من خسارة فهي عليه؛ لأن العامل لايكون إلا أجيرًا، والأجير لا يضمن إلا بالتعدي، وأن يتعدى العامل أو يقصر في حفظ المال أو يفعل شيئًا يتنافى مع مقصود العقد؛ فإن المضاربة في هذه الحال تبطل ويضمن المال إذا تلف؛ لأنه هو المتسبب في التلف، وأن يموت العامل أو رب المال فإذا مات أحدهما، انفسخت المضاربة(2).

     الجعالة: هو عقد على منفعة يظن حصولها، كمن يلتزم بجعل معين لمن يرد عليه متاعه الضائع أو دابته الشاردة أو يبني له هذا الحائط أو يحفر له هذه البئر حتى يصل إلى الماء أو يحفظ ابنه القرآن أو يعالج المريض حتى يبرأ أو يفوز في مسابقة كذا، والأصل في مشروعيتها قوله تعالى في سورة يوسف آية رقم 72 (وَلِـمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيْرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيْمٌ)؛ ولأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أجاز أخذ الجعل على الرقية بالقرآن، وقد أجيزت للضرورة؛ ولهذا جاز فيها من الجهالة مالم يجز في غيرها، فإنه يجوز أن يكون العمل مجهولاً، ولا يشترط في عقد الجعالة حضور المتعاقدين كغيره من العقود لقوله تعالى (وَلِـمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيْرٍ) والجعالة عقد من العقود الجائزة التي يجوز لأحد المتعاقدين فسخها، ومن حق المجعول له أن يفسخه قبل الشروع في العمل، كما أن له أن يفسخه بعد الشروع إذا رضي بإسقاط حقه، أما الجاعل فليس له أن يفسخه إذا شرع المجعول له في العمل، وقد منع بعض الفقهاء الجعالة ومنهم ابن حزم(3).

*  *  *

الهوامش:

فقه السنة السيد سابق ج3 ص 345-364.

فقه السنة السيد سابق ج3 ص 203-209.

فقه السنة السيد سابق ج3 ص 351-353.

*  *  *



(*)   6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

        Email: ashmon59@yahoo.com

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ربيع الأول 1435 هـ = يناير 2013م ، العدد : 3 ، السنة : 38